((( في ذكري يوم الأرض ))) 5
عرب الداخل وهموم عدة
الطرف الثاني من معادلة يوم الأرض- بعد الأرض ذاتها- هو عرب الداخل أو عرب فلسطين 48 وهم فئةٌ تعاني من الكثير من ألوان التمييز العنصري ويعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم ويكفي هنا بعض النماذج.
في مايو من العام الماضي 2005م أقرَّ الكنيست ما عُرِف وقتها بمجموعة من القوانين العنصرية باسم "أنظمة المواطنة" أو "أمر المواطنة والدخول إلى "إسرائيل"، وذلك لمنع لمِّ شمل عائلات المواطنين العرب المتزوجين من فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد أن قامت لجنةٌ وزاريةٌ صهيونيةٌ في الخامس من مايو بالمصادقة على تمديد مفعول القوانين التي صُودِق عليها في العام 2000م في هذا الشأن وتشديد القيود التي تمنع منح المُوَاطَنَة "الإسرائيلية" لفلسطينيين من خارج الكيان الصهيوني أي من اللاجئين الفلسطينيين الذين تنحدر أصولهم من المناطق التي أُعلِن عليها قيامُ دولة الكيان الصهيوني عام 1948م ولا يزال لهم عائلاتٌ تعيش فيها.
وفي هذا الإطار يعيش عرب الداخل واقعًا سيئًا مع سيطرة الفكرة الصهيونية فيما يخصهم ويخص هوية الكيان الصهيوني ذاته كـ"دولة يهودية" يراد الحرص على نقائها على ذهنية صانع القرار الصهيوني، حيث لا تخرج احتمالات التعامل مع الملف العربي هناك عن خيارين:
1- الدمج والاستيعاب الفكري على مستوى الهوية وليس على المستوى المادي أو مستوى الحقوق.
2- الاستئصال والطرد خارج جغرافية الدولة العبرية وسكانها من اليهود.
بالإضافة إلى وجود بدائل أخرى أقل تطرفًا من ذلك وهي العزل العنصري والتهميش السياسي والاقتصادي وتبديل الهوية العربية والإسلامية لهم وتمييعها، وهو ما يطرح تساؤلاً مهمًّا حول مصير عرب الداخل.
في إطار ما تمارسه السلطات الصهيونية من انتهاكات لحقوق الإنسان العربي هناك يمكننا رصد المظاهر الآتية:
قضية المُهَجَّرين: هناك مجموعةٌ من القوانينِ الصادرةِ في الكيانِ الصهيوني منذ نشأته وهي نحو ثلاثين قانونًا نذكر منها بخاصة قانون أملاك الدولة الصادر عام 1950م وقانون الغائبين وأملاكهم، وبموجب هذه القوانين لا تعترف السلطات الصهيونية بحق أي فلسطيني بالعودة إلى أرضه أو بيته فتصادرها جميعًا وجميع أملاكه الأخرى مهما كانت ظروف مغادرته، فإن حدث مثلاً وقام أحد العرب بالسفر ليس إلى خارج الكيان الصهيوني بل من مدينة إلى أخرى داخل حدود الكيان الصهيوني فإنه يُمنع في كثير من الأحوال من العودةِ إلى مدينته الأولى بعد غيابِه لفترةٍ معينةٍ طبقًا للقوانين العنصرية وغير الإنسانية المعمولِ بها هناك، ويتم الاستيلاء على أملاكه فيها لاسيما العقارات والأراضي.
قضية المدن المختلطة: وهي يافا وحيفا وعكا واللد والرملة وبخلاف من بقوا فيها من العرب وهم نحو 130 ألفًا أصبح باقي عدد السكان فيها من اليهود المُهجَّرين الدخلاء، ولا يُسمح بإقامة حي سكني عربي جديد فيها، بل يتم تصفية تلك الأحياء العربية القائمة هناك في هذه المدن بالفعل والتضييق على أصحابها حتى يتركوها لفترات طويلة فتصادر أو يقومون ببيعها لليهود أو للسلطات الصهيونية.
المصادرة: كما رأينا بشيء من التفصيل ونتيجة لمجموعة من السياسات والقوانين الصهيونية تقلصت مساحاتُ الأراضي التي يمتلكها عرب الداخل إلى نحو 3.5% من إجمالي مساحات الأراضي هناك، وتقلصت مساحات الأراضي المتاحة للفرد العربي في الكيان الصهيوني من نحو 27 ألف متر مربع عام 1948م إلى نحو 500 متر فقط عام 2001م مقابل 18 ألف متر مربع لكل فرد يهودي، وتبعًا لذلك فإن الأراضي والعقارات المسجلة باسم فلسطينيي الـ48 في تناقص مستمر مع تزايد مساحات المصادر منها، ولا تعترف السلطات الصهيونيةِ حاليًا بنحو مائةِ قريةٍ فلسطينيةٍ داخل الخط الأخضر، مما يعني أنها هي الأخرى عرضةً للمصادرة.
التهديد بالترانسفير: إن المطلع على التصريحاتِ الصادرةِ والخطط التي تتسرَّب من خزائن قادةِ الحكوماتِ الصهيونيةِ، ومنهم رئيس الوزراء السابق "المريض" إرييل شارون ورئيس شعبة المخابرات العسكرية الصهيونية "أمان" السابق- أيضًا- الجنرال أهارون ياريف ورئيس الوزراء العمالي الأسبق إيهود باراك وغيرهم فإنَّ خيار الترانسفير مطروحٌ بقوة كخيارٍ له الأولوية في التعامل مع ملف العرب في الكيان الصهيوني، حيث أشار كل منهم إلى إمكان استخدام ظروف حرب قائمةٍ أو طارئةٍ لتهجيرِ نحو سبعمائةِ أو ثمانمائةِ ألف عربي من الكيانِ الصهيوني، وكانت الأردن هي المرشحَ الأول كوجهةٍ لهؤلاءِ المهجرين، وسنشير بشكل أكثر تفصيلاً لهذا الملف في موضع لاحق.
سياسة هدم البيوت: وهناك من المؤشرات ما يؤكد كون هذه السياسة أمرًا أساسيًّا ومبرمجًا في أجندةِ الحكوماتِ الصهيونيةِ أيَّا كانت طبيعتها أو انتماءاتها السياسية، وهنا يكفي أن نسوق مثالاً قدَّمه السيد نمر سلفيتي رئيس هيئة الدعوة والإغاثة العليا داخل الخط الأخضر، وهو أنه على سبيل المثال لا الحصر فقط في الفترةِ ما بين عامي 1992م و1996م قامت السلطاتُ الصهيونيةُ بهدم نحو أربعين ألف بيتٍ تؤول ملكيتها للعرب في منطقة النقب.
الاضطهاد الديني: رغم كافة الادِّعاءات الصهيونيةِ بأن السلطاتِ اليهوديةِ تُعامِل العربَ هناك على أساس أنهم مواطنون في دولةٍ ديمقراطيةٍ، إلا أن السلطاتِ الصهيونيةَ تخالف في تعاملها مع العرب من فلسطيني الـ1948م في هذا الصدد المادة رقم "27" من الإعلانِ العالمي لحقوقِ الإنسانِ، حيث سجَّلت الدوائر الحقوقية والسياسية العربية هناك مظاهرَ عديدةً لحرمان الكيان الصهيوني للعرب هناك من حقهم الديني لاسيما المسلمين منهم، فهناك نحو 1200 مسجد دُمِّروا منذ عام 1948م ومساحات كبيرة من أراضي الوقف الإسلامي جرى الاستيلاءُ عليها وتمَّ مسح معالم المقابر الإسلامية، ولم يبق من المساجد التي هجرت بعد نكبة 1948م سوى نحو 100 جرى تحويلُها إلى متاحفَ وحاناتٍ وحظائرِ أبقار، وجرى شق الطرق والبناء على مقابر الفلسطينيين في أراضي الـ48، ومن الاضطهاد الديني أيضًا فصل الأئمة المعيَّنين من جانب وزارة الأديان الصهيونية فصلاً تعسفيًّا غير مبرر.
التمييز العنصري والقومي: وفي هذا الصدد يمكننا رصد عددٍ من المؤشرات، حيث يعاني العرب في الكيان الصهيوني من مظاهرَ تمييزيةٍ عدة بسبب هويتهم مثل سوء المعاملة من جانب الأجهزة الحكومية الصهيونية وعدم قبول الشركات الكبرى الصهيونية تعيين العرب، كذلك تتحكم المخابرات الصهيونية في عمليةِ التعيينات في قطاع التربية والتعليم.
ممارسات أخرى عامة: بخلاف ما سبق يلاحظ وجود مجموعةٍ من السياسات التمييزية الصهيونية الأخرى بحق هذه الفئة، ومن ذلك تبني سياسة تقوم على العزل الإقليمي والتفتيت البنيوي للعرب على أسس جغرافية أو دينية- طائفية أو طبقية أو قبلية أو وفقًا لهذه الأسس دفعة واحدة، نحو المزيد من القطيعة التي استهدفت نبذ هذه الشريحة في كانتونات ومعازل متعددة الأنماط جغرافيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا بطبيعة الحال.
وكل تلك الممارسات لا تشمل بطبيعة الحال مشكلات التعليم أو الفقر أو البطالة في أوساط عرب الداخل فمثلاً قال البنك المركزي الصهيوني- بنك "إسرائيل"- في تقريرٍ حديثٍ له إن نصف العائلات العربية في الكيان الصهيوني تعيش تحت خط الفقر ويتسم الوسط العربي الذي يكون أفرادُه خُمس مواطني الكيان الصهيوني بمستوى تطور اقتصادي متدنٍ مع ارتفاع في نسبة البطالة أو العمل في وظائف منخفضة "غير محترمة" على سلم الوظائف في سوق العمل الصهيوني.
أما في قطاع التعليم فتكفي هنا شهادة صحفي صهيوني يدعى رعنان بن تسور!! قدمها في مقالٍ له تحت عنوان "التمييز ضد التعليم العربي متواصل" ونشرته جريدة (يديعوت أحرونوت) الصهيونية قبل فترة علق فيه على التقرير الذي أصدرته لجنة "متابعة قضايا التعليم في الوسط العربي في "إسرائيل" والذي قام بإعداده الدكتور خالد أبو عصبة من معهد "مسار" للأبحاث، وقال بن تسور إن التقرير أشار إلى أن جهاز التعليم العربي في الكيان الصهيوني يواجه التمييزَ ولا يتمُّ إشراك الأكاديميين ورجال التعليم العرب في القراراتِ المتعلقةِ بهذا الجهاز مع تدخلٍ سياسي تعسفي من جانب السلطات الصهيونية في تحديدِ البرامج التعليمية.
هذه هي بعض من ملامح عامة وقشور لمأزق كبير يواجهه أهلنا من عرب فلسطين المحتلة في العام 1948م، وهذه القشور تعكس صورةً مشوهةً لهؤلاء في بلادهم الأصلية وأرضهم التاريخية، في يوم الأرض.